جارٍ التحميل...
التعليم

التعليم في زمن التكنولوجيا

مروان  ناجي مروان  ناجي
21 February 2025

في يناير 2024 قامت شركة Neuralink والمملوكة للملياردير الشهير إيلون ماسك بالإعلان عن زراعة أول  شريحة إلكترونية قادرة على التحكم في الحاسوب من خلال دماغ البشر مباشرة، هذه الشريحة العجيبة قادرة على التحكم في الحاسوب باستخدام الأفكار، إذ تلتقط نشاط الدماغ وترسله إلى جهاز كمبيوتر عبر البلوتوث، مما يسمح للمستخدم مثلا: بالتحكم في حركة مؤشر الكمبيوتر وتصفح الإنترنت، ولعب ألعاب الفيديو، وتصميم نماذج ثلاثية الأبعاد من خلال تصور حدوث هذه الأشياء، يرى ماسك بأن هذه الشريحة ستفتح أفاقا رهيبة في التواصل مع الذكاء الاصطناعي وتطوير القدرات البشرية.

ومع ظهور هذه التطورات في عالم التكنولوجيا ومع التطوّر الرهيب الذي نشهده في عالم الذكاء الاصطناعي، كل هذا يجعلنا نتساءل عن مستقبل التعليم؟ وما التحديات التي ستواجهه ؟ وما أبرز التغيرات القريبة التي ستحدث؟ وكيف نواكب في الحقل التعليمي هذه التطورات؟

ما هي أبرز التطورات التكنولوجية التي ستؤثّر على مستقبل التعليم القريب ؟

  • يرى الخبراء أن هناك بعض التطورات التكنولوجية ستؤثّر على النظم والبيئات التعليمية في المستقبل القريب، مثل: الذكاء الاصطناعي (AI)ومنصات التعلم التكيفي والواقع الافتراضي (VR)
  • ستساهم هذه التقنيات في إعادة تشكيل بيئة التعلم، من خلال تقديم تجارب تعلم مخصصة، وأتمتة التقييمات، وإنشاء محاكاة تفاعلية مما يجعل العملية التعليمية أكثر تفاعلًا وسهولة في الوصول ويساهم في تحسين جودة التعلم.

ويمكننا أن نشير هنا إلى الأثر الذي ستحدثه التقنيات الثلاث في مستقبل التعليم حسب آراء الخبراء:

أولا الذكاء الاصطناعي: 

  • سيساهم الذكاء الاصطناعي (AI) في تخصيص تجربة التعلم، حيث تقوم الأنظمة المعتمدة عليه بتحليل كميات هائلة من بيانات الطلاب، مثل مستوى التفاعل، أداء الاختبارات، والتفضيلات التعليمية، مما يساعد في :تحديد نقاط القوة والضعف لكل طالب، تقديم تغذية راجعة مخصصة
  • تكييف المحتوى وفقًا لاحتياجات كل متعلم

على سبيل المثال، يمكن لأنظمة التدريس الذكية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (AI-Powered Tutoring Systems) تقديم اختبارات قصيرة (quizzes) ومواد دراسية مخصصة استنادًا إلى تقدم كل طالب، مما يحسن كفاءة العملية التعليمية

ثانيا: منصات التعلم التكيفي (Adaptive Learning Platforms): 

  • تسهم منصات التعلم التكيفي في تعزيز التخصيص المنبثق عن الذكاء الاصطناعي من خلال ضبط سرعة ومحتوى الدورة التدريبية بناءً على التغذية الراجعة الفورية (real-time feedback) من الطلاب، فالطلاب المتقدمون يحصلون على مواد أكثر تعقيدًا لتحدي قدراتهم، والطلاب الذين يحتاجون إلى دعم إضافي يحصلون على مواد مكثفة تساعدهم على تحسين فهمهم للمحتوى.

ثالثا: الواقع الافتراضي (Virtual Reality – VR): 

  • يُعد الواقع الافتراضي (VR) من الابتكارات الرائدة التي تغير تجربة التعلم، حيث يوفر محاكاة تفاعلية (immersive simulations) تسهم في تحسين فهم الطلاب للمفاهيم المعقدة.
  • في بعض التخصصات مثل الطب، والهندسة، والعلوم، يمكن للطلاب استخدام المعامل الافتراضية (virtual labs) لمحاكاة تجارب عملية يصعب تنفيذها في الواقع. على سبيل المثال، يمكن لطلاب الطب التدرب على العمليات الجراحية داخل بيئة افتراضية آمنة، مما يوفر تجربة عملية دون المخاطر المرتبطة بالتدريب الحقيقي.

التطورات في التعليم وطرق التدريس:

  • يرى الباحثان (Mulenga & Shilongo, 2025) أن هناك تحولًا تربويًا واضحًا في طرق التدريس، حيث أصبحت الفصول المقلوبة والتعليم القائم على الكفاءة من الركائز الأساسية في بيئات التعلم، مما يعزز النهج القائم على الطالب وزيادة التفاعل النشط داخل الفصول الدراسية.

وفقًا لهذا النهج، يستكشف الطلاب المواد التعليمية عبر الإنترنت أولًا، ثم يشاركون في مناقشات تفاعلية خلال الحصص الحضورية. يسهم هذا الأسلوب في استخدام الوقت داخل الفصول بشكل أكثر فاعلية مقارنةً بالنماذج التقليدية.

التعليم والتكنولوجيا ومهارات القرن الحادي والعشرين

مع هذه التطورات الجديدة في عالم التكنولوجيا ومع التغير الرهيب في حجم المعرفة والقدرة على الوصول لها، بدأت الأدبيات التربوية تحاول الإجابة عن سؤال: ما هي أهم المهارات والمعارف التي يجب أن نعلمها لطلابنا، وأطلقوا على ذلك ما عرف باسم ” مهارات القرن الحادي والعشرين” 

وهي كما يشير إليها بعض الباحثين بأنها : “المعرفة والمهارات الحياتية والمهارات الوظيفية والعادات والسمات التي تعتبر مهمة للغاية لنجاح الطلاب في عالم اليوم” 

ويختلف خبراء التعليم حول تحديد هذه المهارات وفقا لما يراه الخبراء من متطلبات في كلّ بلد، لكنهم يجمعون على بعضها وسنذكّر هنا ما له صلة وثيقة بموضوعنا، إذ نرى أن التطورات التكنولوجيّة أدّت إلى الاهتمام بها:

  1. المهارات التكنولوجية والثقافة الرقمية (Technology Skills and Digital Literacy): استخدام التكنولوجيا والأدوات الرقمية بكفاءة وأمان.
  2. الثقافة المعلوماتية (Information Literacy): القدرة على تحديد، تقييم، واستخدام المعلومات بشكل فعّال.
  3. التفكير النقدي (Critical Thinking): القدرة على تحليل المعلومات وتقييمها لاتخاذ قرارات مستنيرة
  4. المثابرة (Perseverance): الاستمرار في مواجهة التحديات والصعوبات لتحقيق الأهداف.
  5. مهارات التواصل (Communication Skills): التعبير بوضوح وفعالية عن الأفكار والمعلومات عبر وسائل متعددة..

المعلمون والتكنولوجيا والتعلّم: 

 ثمّة ما يبديه الخبراء من تحديّات تجاه استثمار التكنولوجيا من قبل المعلمين، منها:

  • يؤكد الخبراء أنه حتى عند توفر التكنولوجيا المتطورة، يواجه المعلمون ضغطًا كبيرًا في تحقيق تواصل فعال مع الطلاب، سواء داخل الفصل الدراسي أو عبر الإنترنت، مما يجعل استثمار التكنولوجيا في التعليم مرهقًا للمعلمين.
  • يتطلب استثمار التكنولوجيا في التعلم من المعلمين إدارة نمطين تعليميين في وقت واحد (التعليم التقليدي والتعليم عبر الإنترنت)، مما يزيد من عبء العمل (Workload) ويستلزم إتقان مهارات رقمية جديدة.
  • بعض المعلمين يفتقرون إلى المهارات التقنية اللازمة لإدارة الفصول الدراسية الرقمية بكفاءة.

المهارات الرقمية (Digital Skills)، التي يجب على المعلمين أن يكونوا ملمّين بها:

وفقا للخبراء فإن هذه المهارات سيكون من الضروري أن يلمّ بها المعلمين لكي يتم استثمار التكنولوجيا بكفاءة

  • استخدام وإدارة أنظمة إدارة التعلم (Learning Management Systems – LMS).
  • التعامل مع أدوات الويب المتنوعة المستخدمة في التدريس والتفاعل مع الطلاب.
  • إدارة  (Video Conferencing) والحفاظ على الحضور الرقمي الفعّال.
  • إنشاء تجربة تعليمية تفاعلية تتجاوز مجرد استخدام الدردشة أو الكاميرا.

كل هذه المتطلبات تتطلب تدريبًا مستمرًا ودعمًا فنيًا،  ومن غير المنطقي توقع إتقان المعلمين لهذه المهارات دون تقديم برامج تطوير مهني مستدامة، إذ أصبحت أساليب التدريس عبر الإنترنت شكلاً جديدًا من البيداغوجيا الحديثة.

وختاما: فإن التكنولوجيا في النهاية هي مجرّد أداة، ولكن هذه المرّة هي أداة فائقة، فعلينا أن نحاول كتربويين الإلمام بها قدر الإمكان، ومحاولة استغلالها الاستغلال الأمثل في تحقيق أهدافنا التعليمية، ومواكبة التغيرات السريعة التي تحدث لأجيال المتعلمين.

مروان  ناجي
مروان  ناجي